الأربعاء، 30 يوليو 2008

الليلة الثالثة


بلا ملح أو سكر

تلك الليلة ما أن بدأت شهرزاد بالكلام حتى عاجلها شهريار بسؤال هام:
- "هذا ما كان من أمر محروس مع الأحلام، فماذا عن الطفل الهمام؟ الذي استمر في زيارة غريمه كل ليلة في المنام، احكي لي عن حاله بعد أن رحل عنه كل أهله و تركوه- رغما عنهم – يكابد مرارة الأيام"
- شهرزاد: "و أي مرارة يا مولاي و قد منع و هو ابن الستة أعوام من تناول أي طعام يحوي ملحا أو سكر، كأنه كان ينقصه أن يضيف الزمن مرارة فوق مرارة لحياته"
- شهريار:"لماذا يمنع من تناول الملح و السكر؟ هل كان مريضا بمرض يمنعه من تناول هذين الصنفين؟"
- شهرزاد: "إن كان علي المرض فقد أصاب المرض نفسه فأصبح لا يطيق رؤية الماء ، فقد تولدت لديه رهبة شديدة منه فكان يصاب بالغثيان و الإغماء كلما رأي أي مسطح مائي و كأنه يتصور أن الماء سيأخذ منه باقي عائلته و يزيد من حرمانه و ألمه"
- شهريار:"فليعينه الله علي ما أصابه، و لكن أكملي ما موضوع الملح و السكر إذن"
- شهرزاد:"الم تعلم أن فارس - الطفل الصغير- من أبناء احدي قري الصعيد؟و أن من عادة هؤلاء القوم إذا ما قتل احد أفراد عائلتهم منع الملح و السكر حتى يأخذوا بثأرهم من القاتل؟"
- شهريار:"لا حوا ولا قوة إلا بالله و ما ذنب ذلك الصغير أن يمنع من تذوق طعم الدنيا بعد ما لقي فيها من مآسي؟"
- شهرزاد"عموما لم يكن فارس يرغب في تذوق أي طعام له طعم مالح فقد أصابته عقدة منه كعقدة الماء لأن المسكين ظل يوم كامل في الماء متشبثا بطوق النجاة و لا احد من حوله و لا طعم في فمه غير طعم الماء المالح،و لكن منع السكر هو ما كان يضيره حقا ، و قد وعدته جدته لأبيه أنها سوف تسمح له بتناول السكريات فور الحكم في القضية المشهورة فظل ينتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر"
- شهريار"و قد جاء اليوم بالفعل فهل تحققت أمنيته و نال ما كان يحلم به من الحلوى؟"
- شهرزاد"بالطبع لا ! و كيف و قد حكم في القضية - علي عكس ما توقع الجميع- ببراءة محروس و باقي المتهمين، فأين القصاص التي انتظرته الأم الثكلى و الابن اليتيم كي تحلو بعده الأيام و تبرد النيران؟"
- شهريار:"حقا يا لها من فاجعة"
- شهرزاد :"تصور أن يحصل محروس الهارب علي البراءة و يستمر حرمان ذلك الطفل من أدني متع الحياة، فهل هناك مهزلة أكثر من ذلك،عموما لقد وعدته جدته بالسماح له بتناول الحلوى فور النطق بالحكم في الاستئناف المقدم في القضية ، بس ربنا يستر و يصدق الوعد هذه المرة حتى يتحقق حلم ذلك اليتيم المسكين الذي ظل يتكرر معه كل ليلة منذ وقوع الحادث و انتشاله من الماء"
- شهريار:"حلم؟ وهل لفارس أيضا حلم كحلم محروس"
- شهرزاد:"بل هناك فرق كبير يا مولاي فلفارس حلم بينما لمحروس كابوس،و حلم فارس لا علاقة له بمحروس نهائيا ،فهو فقط يحلم بأخته مني الغارقة رحمها الله و قد خرجت من الماء و في يدها حقيبة كبيرة مملوءة بالحلوى يجلسان معا هو و شقيقته فوق جبل مرتفع كثيرا بعيدا عن صفحة الماء المخادعة تلك ليتناولا ما بها من حلوي و هما سعيدان يضحكان من كل قلبهما و يتواثبان معا ، هكذا كان حلم فارس بسيط صغير و لا علاقة له بمحروس إلا أن القدر ربط مصيره و سعادته المقبلة بمحروس الذي منعه من تناول الحلوى ،فهل سيتناولها يوما ما ؟"
- شهريار:" ومن يجيب علي هذا التساؤل غيرك سيدتي"
- شهرزاد:"الأيام القادمة هي من سيجيب عن هذا التساؤل يا مولاي،و لننم الليلة و نحلم كفارس بتحقيق حلمه البسيط"
و هنا أدركت شهرزاد ساعة المرواح فسكتت عن حوار الأتراح.

ليست هناك تعليقات: